samedi 11 août 2007

المساء :نهاية الرجل الثاني في مملكة محمد السادس

10/10/2007
< بعد قبول إعفائه.. أعاد الهمة سيارة الخدمة إلى الوزارة واحتسى قهوة بحي حسان < الهمة أبلغ بعض زعماء الأحزاب بقراره قبل أن تبثه وكالة الأنباء < تعهد لأصدقائه بعدم تحــــــــــــــمل أية مسؤولية حكــــــــومية طيلة 5 ســــــــــــنوات وبأنه ســــــــيكمل رســالة الدكتــــــــــــوراه < المنصوري تأثر والشرايبي استغرب ولعنيكري حيا «شجاعة الهمة» الرباط :: أعلن بيان ملكي أمس موافقة الملك محمد السادس على طلب الإعفاء الذي تقدم به فؤاد عالي الهمة من مهامه كوزير منتدب في الداخلية، وجاء في البيان الذي حرره المستشار الملكي محمد معتصم أن الملك أعطى «موافقته السامية على الالتماس الذي رفعه السيد فؤاد عالي الهمة للنظر المولوي السديد لإعفائه من مهامه الوزارية كعضو في الحكومة».وحسب نفس البيان، فإن الملك أعطى «استجابته المولوية لرغبة السيد الوزير المنتدب في الداخلية بالترشح للانتخابات النيابية المقبلة, وذلك مع كافة المواطنين المغاربة وبدون تمييز أو استثناء بين المرشحين لاقتراع السابع من شتنبر القادم, وفي نطاق الاحترام التام للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل».وحسب معلومات حصلت عليها «المساء» من مصادر مطلعة، فإن الهمة سبق له أن تقدم بنفس الطلب قبل ثمانية أشهر لكنه رفض، وبمجرد ما أصبح قرار قبول الإعفاء رسميا اتصل الهمة بالعديد من زعماء الأحزاب السياسية يخبرهم بقراره حتى قبل أن تبثه وكالة الأنباء الرسمية. نفس المصادر أبلغت «المساء» أن استجابة الملك لطلب إعفاء الهمة تمت في مدينة تطوان حيث يوجد الملك، وأن الهمة عاد مساء نفس اليوم إلى الرباط وذهب إلى مكتبه بمقر وزارة الداخلية لإيداع سيارة الخدمة والسلام على كبار مساعديه ممن كانوا في مكاتبهم مساء أول أمس. ونقل عن الهمة قوله لأحد المقربين منه إنه توجه مباشرة بعد مغادرته لمقر وزارة الداخلية إلى أحد المقاهي بحي حسان بالرباط حيث احتسى قهوة قبل أن يلتحق ببيته بحي بير قاسم. وفيما لم يتسن لـ«المساء» الاتصال بالهمة الذي كان هاتفه يرن دون أن يرد، نقل عن مصادر مقربة من الوزير السابق أنه سيتقدم إلى الانتخابات المقبلة كمستقل بمدينته ابن جرير التي سيلتحق بها يوم 23 غشت الجاري أي قبل يومين من بداية الحملة الانتخابية. ونسبة إلى نفس المصادر، فإن الهمة سيكرس نفسه لخدمة مدينته في حالة دخوله إلى قبة البرلمان. ونقلت نفس المصادر عنه تعهده بأنه لن يمارس أية مهمة حكومية طيلة الولاية التشريعية المقبلة في حين سيكرس وقته لإكمال رسالة الدكتوراه في كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط.إلى ذلك، أبلغت مصادر مطلعة «المساء» أن خبر قبول إعفاء الهمة نزل كالصاعقة على أقرب أصدقاء الهمة، حيث بدا ياسين المنصوري متأثرا من خلال رده على من كانوا يتصلون به لاستفساره حول خلفيات القرار، فيما كان هو يستعد للسفر رفقة الهمة للالتحاق بالوفد المغربي المفاوض بمانهاست بنيويورك. أما رشدي الشرايبي فبدا مستغربا لما حصل وأبلغ أحد المتصلين به أن الهمة فاجأه بقراره. أما الجينرال حميدو لعنيكري، الذي ظل يلازم الهمة طيلة سنوات عمله على رأس المخابرات المدنية ووجوده على رأس إدارة الأمن الوطني، فنقل عنه أنه حيا شجاعة الرجل. من جهة أخرى، بدأت من الآن العديد من الفعاليات التي تقدمت بطلب مراقبة الانتخابات المقبلة في إبداء رغبتها في التوجه إلى الدائرة التي سيترشح فيها فؤاد عالي الهمة. علي أنوزلا غموض استقالة الهمة أربك أجهزة الدولة قال الهمة لمجموعة من الصحافيين إنه وفريقه تعبوا وإن أعصابه تتعرض لضغط كبير أحدث خبر استقالة فؤاد عالي الهمة من مهامه كوزير منتدب في الداخلية رجة كبيرة داخل أجهزة الدولة، وفي أكثر من وسط. وقد فاجأ الخبر حتى أقرب الناس إلى الهمة ممن اطلعوا عليه عبر البيان المقتضب الصادر عن الديوان الملكي الذي يعلن عن استجابة الملك محمد السادس لطلب الإعفاء الذي تقدم به الهمة من مهامه الوزارية كعضو في الحكومة. استقالة أو إقالة الهمة التي مازال يلفها الكثير من الغموض، فتحت الباب لأكثر من تأويل حول توقيتها والأسباب التي دفعت إليها والغاية من ورائها.وحسب المعلومات التي تسنى لـ»المساء» الحصول عليها من مصادر مطلعة فإن الهمة سبق له أن التمس إعفاءه قبل ثمانية أشهر، فالرجل كما تقول نفس المصادر أحس بالعياء من مهامه كصمام أمان إلى جانب محمد السادس طيلة السنوات الثماني الماضية، وقد صرح هو بنفسه في أحد اللقاءات الأخيرة مع مجموعة من الصحفيين بأنه هو وفريق عمله أصبحوا يعيشون «ضغطا كبيرا، وقد تعبنا، ونحن على أعصابنا». لكن هل كان التعب كافيا لتبرير استقالة من كان يوصف حتى قبيل قبول إعفائه من الملك بأنه أقوى رجل في مملكة محمد السادس؟وفي غياب جواب شاف عن هذا السؤال فإن ما يمكن تقديمه على سبيل الإجابة يبقى مجرد تأويلات، لكن المؤكد هو أن الهمة الذي ظل يوصف بأنه الرجل القوي داخل مملكة محمد السادس انتهى بصدور البيان الملكي ومعه انتهى دور «الرجل الثاني» داخل نفس المملكة، وهو المنصب غير الرسمي الذي ظل يشغله رجال مقربون من الملك، وليست صدفة أنهم كانوا يشغلون منصب وزير الداخلية من الجينرال أوفقير إلى ادريس البصري في عهد الحسن الثاني وانتهاء بفؤاد عالي الهمة الذي كان يوصف بأنه من أقرب المقربين للملك. فقد كان أكثر من وزير في حكومة لا يجتمع مع أعضائها في المجالس الحكومية التي لا تقدم ولا تؤخر، بل هو المستشار الأقرب الى الملك محمد السادس، سواء بفعل الصداقة الموروثة عن مرحلة «الكوليج رويال» أو بفعل ثقل الملفات التي ظل يديرها بعيدا عن الأضواء، من الأمن إلى الصحراء والانتخابات والأحزاب السياسية والأسماء الوزارية المقترحة، علاوة على إدارته لملف حقوق الإنسان والصحافة والتعيينات في عدد من المراكز والمناصب الهامة. هل سيصدق المغاربة أن الهمة تخلى عن وزارة الداخلية لكي يصبح برلمانيا عن بن جرير؟: منذ أن وصل عالي الهمة إلى قمة السلطة في عهد الملك الجديد والأحاديث متواصلة عن صعوده السريع ومشاكله الكثيرة مع حساده والمتربصين به عندما قال الشاعر قبل مئات السنين بأنه «ما طار طائر وارتفع// إلا كما طار وقع»، فإنه لم يكن يقصد بالتأكيد فؤاد عالي الهمة، لكن الواقع اليوم يشير إلى أن هذا الرجل القوي كان هو المقصود بكلام الشاعر.الكثير من المغاربة لن يصدقوا بسهولة أن عالي الهمة أعفي من مهامه، وأكثر منهم أولئك الذين لن يصدقوا أن هذا الرجل تقدم بالتماس إلى الملك لكي يعفيه من مهامه حتى يتفرغ لترشيح نفسه في بن جرير.تبدو الأشياء مستعصية على التصديق لأن هذا الرجل الذي وصل إلى منصب المسؤولية المباشرة تحول إلى الرجل الأقوى في البلاد، وأصبح الناس يذكرون اسمه وكأنه يمسك بيده عصا موسى يفلق بها البحر نصفين فيمر من بين الأمواج من دون أن تلمسه المياه.الغريب أن إقالة أو استقالة عالي الهمة جاءت ثلاثة أيام فقط على تلك الزيارة الغريبة التي قام بها إلى المركز الحدودي في باب سبتة، والتي جعلت أفراد الشرطة والجمارك في المكان يبلعون الريق الناشف ويصابون بإسهال حقيقي وهم يرون بينهم وجه ذلك الرجل الصارم في الثانية والنصف بعد منتصف الليل. ومباشرة بعد تلك الزيارة التي تحدث عنها الناس من طنجة إلى الكويرة، تمت تنقيلات وتغييرات كبيرة في منطقة الحدود تاراخال، وتساءل الناس مع من كان عالي الهمة يتحدث في الهاتف وهو غاضب من طريقة عمل هذا المركز الذي وصفه بأنه «بورديل».منذ سنوات، أي منذ أن وصل عالي الهمة إلى قمة السلطة في عهد الملك الجديد، والأحاديث متواصلة عن صعوده السريع ومشاكله الكثيرة مع حساده والمتربصين به. أحيانا كانت الإشاعات تتناسل عن غضب الملك منه وابتعاده الوشيك عن السلطة، ثم يعود أقوى مما كان. لقد أصبح المغاربة ينظرون إليه كما لو أنه خليفة ادريس البصري، وأنه يعيد تكرار حكاية البصري مع الحسن الثاني، وكما كان البصري هو رجل ثقة الحسن الثاني، فإن عالي الهمة هو رجل ثقة محمد السادس.لكن أكثر الأسئلة التي تؤرق الناس اليوم هي هل يعقل أن يلتمس وزير منتدب بالداخلية إعفاءه من منصبه كي يترشح للانتخابات التشريعية المقبلة في بن جرير؟ وهل منصب نائب برلماني أهم من هذه الوزارة الحساسة والخطيرة والشائكة؟ بل هل يعقل أن يملك عالي الهمة زمام نفسه ويتجرأ على طلب الإعفاء أو الاستقالة من دون أن تأتيه أوامر بذلك؟وكالة المغرب العربي للأنباء، التي تعتبر لسان السلطة، أدرجت خبرا سورياليا عن هذا الإعفاء تقول بعض فقراته إن «الأمر يتعلق بعمل يندرج بشكل عميق في إطار الحكامة الجيدة التي لا ينبغي لها، كي لا تضل الطريق، أن تشكو من أي تعثر»، وأن «الديمقراطية لا يمكنها أن تقترن بأي نوع من اللبس أو الغموض طالما أن السياسة التي لا تتطور إلا في إطار الشفافية، لا تزدهر سوى في مناخ من الانسجام والتناغم».هذا الكلام يشبه تماما كلام أغنية لبنانية قديمة تقول «شمشميخة.. شمشميخة.. بُكرة تسمع طريفة.. بيغنّي عالبطاطا غنّيلو عالبطيخة». يعني لا أحد يفهم شيئا.. ومن يفهم عليه أن يرفع يده ويقول أنا فهمت. ومن يفهم كلام الأغنية اللبنانية فإنه بالتأكيد سيفهم كلام وكالة المغرب العربي للأنباء.المشكلة اليوم ليست في استقالة عالي الهمة أو إقالته، بل في كون المغاربة عادة ما يربطون الأحداث بعضها ببعض، وغالبا ما يكون آخر عمل قام به الشخص هو الذي يدفع إلى الاعتقاد بأنه كان سبب عقابه أو مكافأته.هكذا لن يتردد الناس طويلا في ربط ما جرى مع الزيارة التي قام بها عالي الهمة إلى مركز حدود باب سبتة، ووصفه المكان بالبورديل، وقرارات تنقيل عدد من المسؤولين الأمنيين هناك. قد يقول البعض إن ما جرى للهمة كان عقابا له لأنه تصرف مثل حاكم مطلق للبلاد، وأنه لم يضبط جيدا عباراته وهو يشتم المكان. وقد يقول آخرون إن ما جرى ربما يمهد لعودة الرجل على رأس الحكومة لخلافة جطو بعد الانتخابات المقبلة. لكن المشكلة هي ماذا لو خسر عالي الهمة الانتخابات في بن جرير؟ عبد الله الدامون خاص: آسرار ٌاقالة الهمة: فؤاد عالي الهمة... أفول نجم آخر في المملكة الشريفة: أقنع الإسلامين بالمشاركة المحدودة في 2002 وأدخل اليسار إلى جبة المخزن في 2007 كانت آخر خرجة إعلامية لفؤاد عالي الهمة قبل أن يسقط خبر إعفائه من مهامه كوزير منتدب في الداخلية هي زيارته «المفاجئة» لمنطقة باب سبتة قبل ثلاثة أيام في حوالي الثانية بعد منتصف الليل، حيث عاين بنفسه حالة الازدحام التي يشهدها المعبر بين المغرب والمدينة المغربية المحتلة. ولأن لا شيء من أعمال رجال السياسة يكون غير محسوب بدقة، ولا محل للخطوات «المفاجئة» في منتصف الليل، فإن ما قام به الرجل«الثاني» رسميا في وزارة الداخلية كان يتضمن إشارة أو إشارات قوية ربما تظهر في ما بعد. ولم يتأخر ذلك كثيرا، فجاء خبر الإعفاء، وهذه المرة بشكل«مفاجئ» أيضا، مثل زيارة باب سبتة.يلقب الهمة بأنه الرجل القوي في المملكة المغربية بعد محمد السادس، فهو يمسك بجميع الخيوط المؤدية إلى أجهزة الدولة الأمنية أو الخارجة منها بين يديه، ويضع مسؤوليها في مكانهم مثل لاعب شطرنج ماهر يعرف أين ينبغي أن تتجه اللعبة. فخلال ثماني سنوات نجح هذا المراكشي الأسمر في بسط نفوذه على ثلاثة من أقوى الأجهزة الأمنية في البلاد، هي «الدي إس تي» التي عين على رأسها عبد اللطيف الحموشي المحسوب عليه، و»لادجيد» التي يرأسها ياسين المنصوري، زميله في الدراسة، والـ«إرجي»التابع للداخلية، بالإضافة إلى الإدارة العامة للأمن الوطني التي تدخل تحت وصاية هذه الأخيرة. ولد فؤاد عالي الهمة بمراكش عام 1962 من أب كان يعمل رجل تعليم متواضع، لكن القدر كان يتربص به لكي يكون أحد أقرب المقربين من ولي العهد آنذاك، الملك الحالي محمد السادس. إذ جرى اختياره ضمن التلاميذ العشرة الأوائل الذين رشحوا للدراسة مع ولي العهد في المعهد المولوي، ويقال بأن لقب» عالي الهمة» هو الذي كان مفتاح الدخول إلى دار المخزن بالنسبة له، لأنه أثار فضول الملك الراحل الحسن الثاني الذي ربما تفاءل خيرا من أن يكون هذا اللقب إسما على مسمى.منذ تجاوزه عتبة القصر ظل عالي الهمة حريصا على أن يكون أكثر قربا من ولي العهد، والظل المصاحب له. وفي عام 1986 خدم إلى جانب الوزير القوي آنذاك إدريس البصري بوزارة الداخلية، لتكون تلك هي بداية تعاطيه مع الملفات الأمنية والسياسية. ويروي البصري أن الهمة جاء إليه عام 1992 وأبلغه بأن ولي العهد الأمير سيدي محمد حثه على دخول غمار السياسة ووجهه إلى وزير الداخلية الأقوى في تاريخ المغرب. ويتابع هذا الأخير بأنه ساعد الهمة على دخول الانتخابات البلدية في تلك الفترة حيث دفعه داخل حزب الحركة الشعبية التي ترشح باسمها في بن جرير، ليصبح رئيس المجلس البلدي للمدينة من 1992 إلى 1997، ثم برلمانيا عن قلعة السراغنة من 1995 إلى 1997.بعد تولي الملك محمد السادس الحكم عام 1999 قفز الهمة إلى منصب كاتب الدولة في الداخلية وأصبح في الصف الأول من رجالات الدولة الجدد الذين سيقودون مع الملك الشاب سفينة «العهد الجديد». منذ تلك اللحظة أصبح الهمة يمسك بالملفات الصعبة من الأمن إلى الانتخابات، لكنه لم ينجح في ذلك بسبب نفوذه الشخصي الذي تقوى أكثر وصار أكثر حضورا، بل للمواصفات الشخصية التي يتحلى بها، إذ يقول عارفوه إنه رجل الحوار والتفاوض الهادئ والحلول الوسط والتراضي، جاعلا من بيته في حي السويسي بالرباط، خلف الإقامة السابقة لإدريس البصري، بمثابة صالون سياسي تلتقي فيه جميع الأطياف السياسية من أجل تعلم طقوس الأكل من مائدة المخزن. فهو من فاوض حزب العدالة والتنمية بحمائمه وصقوره وأقنعهم بالمشاركة المحدودة في الانتخابات السابقة، وأدهش محمد الساسي نائب الأمين العام لليسار الاشتراكي الموحد عندما التقى به برفقة محمد حفيظ من نفس الحزب، وخرج الساسي لكي يقول فيه ما يحب أن يسمعه. ورغم هذه المواصفات التي تجعله شخصا هادئا ومتفهما فإنه يمثل رجل السلطة الحازم في مواضع الحزم، مثلما حصل في الندوة الصحافية إلى جانب وزير الداخلية شكيب بنموسى عندما تدخل مدير يومية «التجديد» عبد الإله بنكيران، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، قائلا بأن بعض رجال السلطة تدخلون ضد حزبه، فما كان من عالي الهمة إلا أن يتدخل بصرامة وقائلا بالدارجة «هاذي ما غاديش ندوزها».نفوذ الهمة لم يقتصر على الجانب الأمني أو السياسي، بل شمل الاقتصاد أيضا. إذ يشكل بيته بحي السويسي ملتقى لرجال الأعمال الذين بزغت شمسهم مع العهد الجديد، مثل عزيز أخنوش المزود الرئيسي للأقاليم الجنوبية من بالغاز، وكذلك قطاع الإعلام الذي ورث ارتباطه بوزارة الداخلية عن سلفه إدريس البصري، حيث نجح الهمة في وضع أشخاص موالين له في مناصب حساسة داخل القناتين الأولى والثانية.وإذا كان الوزير الأسبق إدريس البصري قد أقنع قطاعا من الإسلاميين في المغرب بفوائد المشاركة السياسية والاقتراب من دار المخزن، فإن ما يحسب لفؤاد عالي الهمة ـ الذي يصفه البعض بالبصري رقم2 ـ أنه أدخل ما تبقى من اليسار الذي كان يحب دائما الصعود إلى الجبل بالمشاركة في انتخابات 2007. وربما يشعر الهمة بأن مهمته الأولى انتهت ولم يعد هناك ما يزعج راحة المملكة السعيدة، فقرر الدخول بنفسه إلى الانتخابات إلى جانب الإسلاميين واليساريين، لتكون انتخابات 7 شتنبر 2007 في المغرب ـ منذ الاستقلال ـ أول انتخابات يشارك فيها إسلاميون ويساريون ورجالات المخزن الكتف على الكتف. إدريس الكنبوري خاص: آسرار اقالة الهمة: أمين: الاستقالة سبقها الاعتداء على الحريات العامة وعلى الصحافة .. بنعمور: الهمة مرشح لأن يكون وزيرا أول.. الخليفة: من خلال معرفتي بالشخص فهو شغوف بالعمليات الانتخابية عبر عبد الحميد أمين، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عن مفاجأته لنبأ تقديم كاتب الدولة لدى وزير الداخلية فؤاد عالي الهمة لاستقالته، وأشار في تصريح لـ«المساء» إلى أنه استغرب كثيرا لهذا النبأ الذي لم يكن متوقعا، مستغربا أن يطلب الرجل، وهو في أوج المسؤولية، إعفاءه ويستقيل عمليا من أهم مناصب أجهزة الدولة، موضحا أن التبرير الذي عممته وكالة المغرب العربي للأنباء يزيد من حجم هذه المفاجأة، وأضاف أنه لا أحد كان يتوقع أن الهمة سيعلن أنه سيترشح للانتخابات ويلعب دورا سياسيا، خاصة أن هذا الأمر -يضيف أمين- سوف تطرح إشكالات حول طبيعة الإطار السياسي الذي سيترشح باسمه بخصوص هذه الاستحقاقات.وأشار أمين بالقابل إلى أن مفاجأة الاستقالة سبقتها قبل ذلك عدة أحداث وقعت في المدة الأخيرة، من أبرزها الاعتداء الذي تعرضت لها تظاهرات فاتح ماي، والأحكام الصادرة في حق عدد من النشطاء الحقوقيين بدعوى المس بالمقدسات، وما تلاها بعد ذلك من الاعتداء على الصحافة المستقلة، كما هو الشأن بالنسبة للمحاكمة التي تتعرض لها أسبوعية «الوطن الآن»، ومتابعة كل من حرمة الله وأريري ورضا بنشمسي مدير مجلتي «نيشان» و«تيل كيل».وأبرز أمين أن حدث الاستقالة جاء مباشرة بعد الزيارة التي قام بها الهمة إلى باب سبتة، وما أثير حولها من تساؤلات. وحول ما إذا كانت هذه الاستقالة بمثابة تخريجة من القصر للتخلص من ظاهرة الرجل القوي، كما هو الشأن بالنسبة لإدريس البصري مع الحسن الثاني، أوضح أمين أنه في ظل شح المعطيات الحالية تبقى جميع التكهنات ممكنة، مضيفا أنه ينبغي الانتظار قليلا حتى تتضح الأمور بجلاء قصد الوقوف على حقيقة ما جرى.وبالنسبة لعبد العالي بنعمور، الرئيس الأسبق لجمعية «بدائل»، فهناك احتمالان لما جرى، الأول يمكن اعتباره متعلقا بمحاولة لاستبعاده عن دوائر القرار لسبب من الأسباب لازالت مجهولة، والثاني يمكن اعتباره مؤشرا من المؤشرات تدل على أن له حظوظا كبيرة مستقبلا لتناط له مهمة بصفته منتخبا هذه المرة، كما يمكن أن تناط له مسؤولية الوزير الأول، حيث عبر هذه الطريقة يكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد.وحسب بنعمور، فإنه على العموم يبقى من الصعب التكهن بحقيقة ما جرى، على اعتبار أن المغرب يعاني من عدم وجود الشفافية الكافية والتي تسمح للمتتبعين باستقراء حقيقة ما جرى. أما محمد الخليفة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، فهو لم يكن يتوقع حدوث هذه الاستقالة، كما أنه لم يسمع بها إلا صبيحة يوم أمس، وبالنسبة إليه فهو يعزوها إلى طبيعة فؤاد عالي الهمة الذي هو، بحسب تعبير الخليفة «شغوف بالعمليات الانتخابية، حيث سبق له أن ترشح بدائرة بنجرير كما كان رئيسا لمجلس جماعي، قبل أن ينظم إلى إحدى الهيئات السياسية في ما بعد». وأضاف الخليفة في تصريح لـ«المساء» أنه بدون شك يصعب على أي شخص يحتل مكانته الإقدام على هذه الاستقالة، وأن ذلك بدون شك -يضيف الخليفة- له علاقة بطبيعة الشخص ذاته، «وحسب ما عرفته شخصيا عنه فهو دائما يعتز بأنه كان برلمانيا».وبخصوص ما إذا كان حدث الاستقالة نوعا من التخريجات التي أقدم عليها الملك من أجل التخلص من ظاهرة الرجل القوي، كما كان الشأن في عهد الراحل الحسن الثاني مع إدريس البصري، نفى الخليفة بشدة هذا الاحتمال قائلا: «لا أعتقد أن هذا الأمر صحيح، فلا الظرف الزمني ولا العلاقة التي تربط فؤاد عالي الهمة بمحمد السادس يمكن تشبيهها بالعلاقة التي كانت تربط الحسن الثاني بإدريس البصري»، مشيرا إلى أن ما أقدم عليه الهمة ليس بدعة مقتصرة عليه، كما أنها ليست أول مرة يقدم فيها وزير الداخلية على تقديم استقالته والتفرغ للانتخابات، حيث سبق لحدو الشيكر، وزير الداخلية الأسبق، أن أرسل نفس الرسالة التي بعث بها الهمة إلى محمد السادس، وكان الجواب هو نفسه الذي عبر عنه الراحل الحسن الثاني لحدو الشيكر، حيث أصبح في ما بعد زعيما من زعماء حزب التجمع الوطني للأحرار. وأشار الخليفة إلى أنه لما سمع بنبأ استقالة الهمة بغرض التفرغ للانتخابات، خطرت بباله استقالة حدو الشيكر مع فارق في الزمن والتطورات والعلاقات. وأوضح الخليفة، أنه بحسب اعتقاده وحسب ما عرفه شخصيا عن فؤاد عالي الهمة من خلال معرفته الشخصية به، فهو شغوف بالعملية الانتخابية والعمل من داخل المؤسسات، وأنه لمس منه هذا البعد من خلال الأحاديث التي أجراها معه، حيث وجد بدواخله كل هذه القيم التي تحدث عنها، مستطردا بالقول إن كل ما قيل يبقى إلى حد الآن مجرد تكهنات ستظهر في ما بعد حقيقتها. عبد الإلاه سخير الرأي الآخـــر: لعنة دار الليوطي ظلت النخبة السياسية طيلة ليلة أمس تضرب أخماسا في أسداس، وتتساءل عن خلفيات إعفاء الملك محمد السادس ليده اليمنى فؤاد عالي الهمة من وزارة الداخلية، وقد ازداد التشويق مع تعليل الاستقالة بكون السيد الهمة سيتفرغ للإعداد للانتخابات التشريعية القادمة في دائرة بن جرير...انقسمت التأويلات إلى ثلاثة اتجاهات، بين قائل إنه خروج من غير عودة من وزارة الداخلية مفتاح السلطة في المغرب، ودليل هؤلاء تراكم الأخطاء التي اقترفها فؤاد عالي الهمة الذي تحول في عيون الرأي العام إلى نموذج مصغر لإدريس البصري.. والصورة على ما فيها من جدل غير بعيدة عن حقيقة تحول الهمة إلى رجل المملكة القوي بعد الملك محمد السادس.أما الفرضية الثانية، فتقول إن خروج الهمة من وزارة الداخلية جاء من أجل العودة إلى مناصب أخرى بعباءة حزبية تنهي صفة التكنوقراطية التي لازمت الهمة، وجعلت من الحياة السياسية استمرارا للطابع القديم للحسن الثاني، حيث الأحزاب لا تلعب سوى دور الواجهة، في حين يتحكم المقربون من القصر في دواليب السياسة. هذا التصور على ما فيه من خيال سياسي متواضع، لا يعرف أحد كيف سيتحول الهمة من رجل قصر إلى سياسي يحمل لونا حزبيا قبل 30 يوما من الانتخابات..الفرضية الثالثة تقول إن الملك أقدم على وضع نقطة نهاية لمنصب «الرجل الثاني» في المملكة، وأن إزاحة الهمة من مبنى الليوطي جاء كرسالة تفيد بأن المنصب لا الشخص هو الذي يجب أن يزول، وأن الهمة سيعود إلى المربع الذهبي بعد رحلة قصيرة خارج وزارة الداخلية، شأنه شأن من سبقه إلى إثارة غضب الملك.إن تضارب الآراء والتأويلات حول زوال الهمة... هي إحدى خصائص «قرارات المخزن» الذي لا يعلل تصرفاته، وترك المجال واسعا للخيال.. لكن هذا موضوع آخر. مبادرة الملك لإخراج الهمة من قصر الليوطي وسط الرباط، جاءت بعد 8 سنوات من تولي الهمة إدارة دفة الداخلية بكل الثقل الذي تشكله في الحياة السياسية والحزبية والاقتصادية والدبلوماسية والأمنية المغربية، والمدة التي باشر فيها المهمة مسؤوليات كبيرة في الداخلية تعادل ثلث المدة التي جلس فيها إدريس البصري في نفس المنصب، مع استحضار أن زمن الحسن الثاني ليس هو زمن محمد السادس. مدة ثماني سنوات في منصب يعد قلب السلطة في المغرب، كان طبيعيا أن يخلق من الهمة رجلا قويا في المملكة، وهي الصورة التي كان الملك يحاول الهرب منها لأنها تذكره بإدريس البصري، وتذكره بحقبة في حكم والده. هذا إذا ما استحضرنا كون الهمة زميل دراسة الملك، وواحدا من المقربين إليه، فإن نفوذ الشخص أصبح يتجاوز ما هو معلن من اختصاصات. لقد حاول الرجل – للإنصاف – أن يتجنب كثرة الظهور حتى لا يعطي الانطباع بتشابهه مع إدريس البصري، وحاول أن يرتدي قفازات من حرير لمباشرة تعدد السلط بين يديه، كما حاول أن ينفذ التعليمات في حدود دون تجاوز ولا اجتهاد.. لكن المنصب كان أكبر من كل عمليات ترويضه، وأن السلطة، إذا لم تكن هناك سلطة مضادة أمامها، فإن عقالها ينفلت وتصبح غولا يلتهم جميع من يعترضه.لقد اجتهد الهمة ليقدم صورة «رجل تقدمي» وسط بعض رجالات العهد القديم الرجعيين. انفتح على حقوقيي اليسار، وأوصل الكثير منهم إلى مناصب في مؤسسات الدولة، زرع رجاله في عدد من المواقع، حاور الإسلاميين واليساريين، لكنه ظل وفيا «للخصوصية المغربية» في الحكم: مظهر ديمقراطي وجوهر مخزني سلطوي... خرج الهمة من رأس السلطة، لكن أحدا لم يقرأ هذا الخروج على أساس أنه مراجعة شاملة لاختيارات الدولة، فقط هناك خروج لواحد من رجالات المملكة الأقوياء ودخول آخرين، وتستمر اللعبة... توفيق بوعشرين.

Aucun commentaire: