نور الدين مفتاح
العدد 291
القدر، زائد تدخل البشر، أبيا إلا أن يجعلا لبداية هذا الصيف الساخن قضيته الساخنة أيضا. ألم نتعود في المغرب على أن لكل صيف قضيته التي تتبع عباد الله إلى المنتجعات والشواطئ والمخيمات؟.
قضية بداية هذا الصيف لم تكن بالطبع هي المفاوضات المرتقبة في العاشر من شهر غشت بين المغرب والبوليساريو بالولايات المتحدة الأمريكية، ولم تكن هي التهديد الإرهابي، اللهم إلا إذا نجح مجانين الدم – لا قدر الله – في اختراق هذا الحذر الأقصى الذي يتلحف به المغرب، ولكن كانت قضية أسبوعية "الوطن الآن" ووراءها قضية الصحافة المغربية
ولابد أن نعبر على نوع من الارتياح عما أسفر عنه تكييف النيابة العامة للمتابعة، مع تحويل القضية من اتهام بجناية الى اتهام بجنحة، وعدم متابعة عائلة حرمة الله والإفراج عن عبد الرحيم أريري
وإذا كانت العدالة ستنظر في الملف في أجواء أقل توترا على الرغم من استمرار اعتقال حرمة الله، فإن النقاش الذي أثارته هذه القضية داخل المهنة لا يمكن تجاوزه، وقد أعاد، على العموم، طرح نفس الأسئلة القديمة الجديدة: ما هي حدود تدخل الدولة بالجزر؟.
وهناك موافق متواجهة واحد فيها يدافع عن الحرية بدون قيد ولا شرط وآخر يدافع عن المسؤولية في إطار الخصوصية وبينهما تلوينات شتى، ويقول أولئك الذين لا يؤمنون بأننا نعيش عجزا في حرية التعبير بأن الصحافة المغربية تسيبت، وبانها ابتليت بطفيليات لا هم لها إلا المزايدة من أجل الرفع من المبيعات، وأن الدولة تساهلت أكثر من اللازم لانها تخاف أن تؤدي الثمن من سمعة المغرب إن هي حاكمت صحافيا أو أغلقت صحيفته فبالأحرى أن تعتقله
وأصحاب هذا الرأي وجدوا في قضية "الوطن الآن" النمودج الأفضل للدفاع عن وجهة نظرهم. فهذه جريدة نشرت نسخة من وثيقة سرية تهم الدفاع الوطني في وقت ترفع فيه الدولة درجة التأهب الأمني إلى الأقصى، بل إن ما نشر لا يشكل إلا الجزء اليسير مما تم ضبطه لدى أحد الصحافيين من وثائق سرية اعتبرت أخطر. ويتساءلون: هل لمجرد أن الأمر يتعلق بصحافي يجب أن لا نطبق القانون؟ ويضيفون :عندما اعتقلنا وحاكمنا مدراء عامين للأبناك وسياسيين ورجال أمن ومخابرات وجيش صفقتم، وعندما تم المس بالدفاع الوطني وقمنا بما يمليه واجب الدولة انتفضتم، فقط لأن المعني بالأمر صحافي. فهل الصحافيون فوق القانون؟.
إن هذا المنطق متماسك شكليا، ولكنه ما يلبث أن يختل عندما ننكب بكل صدق على الجوهر. ولنبدأ بالتلميح إلى الحصانة المطلقة التي يبحث عنها الصحافي المغربي من خلال التضامن المهني داخليا وخارجيا، فلو كانت هذه المسألة صائبة لما انخرط صحافيو هذا البلد في مناقشة قانون الصحافة الذي يحمل في جزء كبير منه مواد جزرية.إننا لا نريد فوضى منظمة، ولكن نصوصا واضحة وعادلة نحتكم إليها عندما تكون هناك تهمة بالمس بالدولة أو بالمجتمع أو بالمصلحة العليا. وهذا ما لا يوجد لحد الأن، مما يجعل جزءا من اختلالات المجال الصحافي المغربي مرتبط بالدولة أصلا قبل أن يكون مرتبطا بالمهنة نفسها
نحن في بلد ما تزال فيه الدولة تتحكم في صحف كبرى/ سواء بشكل مباشر كما هو الشأن بالنسبة لمجموعة "ماروك سوار"، أو بشكل غير مباشر، وهذا يخلق البلبلة في مجال صحافي مغربي هش، ونحن في بلد مازالت نصوصه الناظمة للمهنة معيبة، ونحن في بلد نفتقد لقواعد لعب مرسومة، بحيث تعتقد اليوم أنك ستدخل مبارة في كرة السلة، فإذا بهم يدخلوك في ملعب كرة قدم، ونحن بلد لا احتكام فيه لمؤسسات واضحة تتخد القرارات بالنسبة لقطاع حيوي بشكل سليم،، فهناك وزارة للإتصال، ولكنها مغلوبة على أمرها، وهناك الديوان الملكي، وفيه تيارات، وهناك لجنة خماسية تفكر وتقرر، وهناك الحكومة "الحقيقية"، وهناك القضاء التابع لوزير العدل..وهذا التداخل والتشابك لا يجعل للدولة سياسة واحدة في مجال الحريات العامة وضمنها حرية التعبير، فهناك شعار عام معلن وهو الإنفتاح، إلا أن تطبيقه يخضع للكثير من التموجات والكثير من الأخطاء القاتلة أحيانا في قطاع لا يريد بالضرورة أن يكون فوق القانون، ولكن طبيعته تجعله في الواجهة والخطأ إزاءه أكثر بروزا من الخطأ في غيره
أما نحن في قبيلة الصحافيين فلسنا كاملين، هناك فينا المجتهد بحسن نية وقد يصيب وقد يخطئ، وهناك الطفيلي وهناك المزايد وهناك المدفوع وهناك النزيه وهناك الجيد وهناك المتسخ وهناك الردئ..وهذا حال جميع القطاعات، خصوصا في مرحلة انتقال حساس يعيشها بلد برمته
إن قضية الزميلين عبد الرحيم أريري وحرمة الله مصطفى لا يجب أن نستعملها لنتوهم أننا بها سنحل مشكلة الصحافة في المغرب، بل بالعكس، إننا اليوم نزيد هذه القضية تعقيدا، ولنكن واضحين: إذا تعلق الأمر بنشر وثيقة سرية تهم إدارة من إدارات الدفاع الوطني وحيازة وثائق أخرى لم تنشر عند الصحافيين، فإن هذا يدخل في إطار العمل الصحافي الصرف ويجب أن يعالج في هذا الإطار، وهو ما لم يتم مع هذا الإعتقال القاسي والتحقيقات الماراطونية. أما اذا كان الأمر يتعلق بتآمر أريري وحرمة الله مع مخابرات أجنبية ضد وطنهما مثلا - مع أن صحيفتهما تسمى "الوطن الآن"- ، فهذا موضوع خيالي حسمت فيه النيابة العامة بالاستبعاد
وما دمنا لحد الآن في دائرة العمل المهني، بل مادامت بداية هذه القضية كانت تتعلق بعمل مهني، فأن ما جرى فيها يعتبر مسا بحرية الصحافة وتهديدا مبطنا لباقي الصحف، وخصوصا الجدية والمهنية منها
فلنه قضية عبد الرحيم أريري ومصطفي حرمة الله، ولنطوي هذه الصفحة، فللمغرب ما يكفي من القضايا الاهم لينشغل بها في صيفه القائط عله يجد ثمارها قد نضجت في ربيع واعد، بدل أن يكون القدر المحتوم هو الإستعداد لخريف حزين
الصحافة المغربية تنمو بالألم والامل، وجيل جديد من الصحافيين اختاروا هذه المهنة التي هي مهنة المتاعب والمخاطر، وهم ليسوا أحسن من المغرب ولا أسوأ منه، إنه جزء من بلد رسم لشعبه آمال واسعة في أن يعوض كل مآسي خمسة عقود بما فيها مآسي الحريات، والصحافة توجد في الواجهة
صحيحي لسنا ملائكة ولكننا لسنا شياطين أيضا
قضية بداية هذا الصيف لم تكن بالطبع هي المفاوضات المرتقبة في العاشر من شهر غشت بين المغرب والبوليساريو بالولايات المتحدة الأمريكية، ولم تكن هي التهديد الإرهابي، اللهم إلا إذا نجح مجانين الدم – لا قدر الله – في اختراق هذا الحذر الأقصى الذي يتلحف به المغرب، ولكن كانت قضية أسبوعية "الوطن الآن" ووراءها قضية الصحافة المغربية
ولابد أن نعبر على نوع من الارتياح عما أسفر عنه تكييف النيابة العامة للمتابعة، مع تحويل القضية من اتهام بجناية الى اتهام بجنحة، وعدم متابعة عائلة حرمة الله والإفراج عن عبد الرحيم أريري
وإذا كانت العدالة ستنظر في الملف في أجواء أقل توترا على الرغم من استمرار اعتقال حرمة الله، فإن النقاش الذي أثارته هذه القضية داخل المهنة لا يمكن تجاوزه، وقد أعاد، على العموم، طرح نفس الأسئلة القديمة الجديدة: ما هي حدود تدخل الدولة بالجزر؟.
وهناك موافق متواجهة واحد فيها يدافع عن الحرية بدون قيد ولا شرط وآخر يدافع عن المسؤولية في إطار الخصوصية وبينهما تلوينات شتى، ويقول أولئك الذين لا يؤمنون بأننا نعيش عجزا في حرية التعبير بأن الصحافة المغربية تسيبت، وبانها ابتليت بطفيليات لا هم لها إلا المزايدة من أجل الرفع من المبيعات، وأن الدولة تساهلت أكثر من اللازم لانها تخاف أن تؤدي الثمن من سمعة المغرب إن هي حاكمت صحافيا أو أغلقت صحيفته فبالأحرى أن تعتقله
وأصحاب هذا الرأي وجدوا في قضية "الوطن الآن" النمودج الأفضل للدفاع عن وجهة نظرهم. فهذه جريدة نشرت نسخة من وثيقة سرية تهم الدفاع الوطني في وقت ترفع فيه الدولة درجة التأهب الأمني إلى الأقصى، بل إن ما نشر لا يشكل إلا الجزء اليسير مما تم ضبطه لدى أحد الصحافيين من وثائق سرية اعتبرت أخطر. ويتساءلون: هل لمجرد أن الأمر يتعلق بصحافي يجب أن لا نطبق القانون؟ ويضيفون :عندما اعتقلنا وحاكمنا مدراء عامين للأبناك وسياسيين ورجال أمن ومخابرات وجيش صفقتم، وعندما تم المس بالدفاع الوطني وقمنا بما يمليه واجب الدولة انتفضتم، فقط لأن المعني بالأمر صحافي. فهل الصحافيون فوق القانون؟.
إن هذا المنطق متماسك شكليا، ولكنه ما يلبث أن يختل عندما ننكب بكل صدق على الجوهر. ولنبدأ بالتلميح إلى الحصانة المطلقة التي يبحث عنها الصحافي المغربي من خلال التضامن المهني داخليا وخارجيا، فلو كانت هذه المسألة صائبة لما انخرط صحافيو هذا البلد في مناقشة قانون الصحافة الذي يحمل في جزء كبير منه مواد جزرية.إننا لا نريد فوضى منظمة، ولكن نصوصا واضحة وعادلة نحتكم إليها عندما تكون هناك تهمة بالمس بالدولة أو بالمجتمع أو بالمصلحة العليا. وهذا ما لا يوجد لحد الأن، مما يجعل جزءا من اختلالات المجال الصحافي المغربي مرتبط بالدولة أصلا قبل أن يكون مرتبطا بالمهنة نفسها
نحن في بلد ما تزال فيه الدولة تتحكم في صحف كبرى/ سواء بشكل مباشر كما هو الشأن بالنسبة لمجموعة "ماروك سوار"، أو بشكل غير مباشر، وهذا يخلق البلبلة في مجال صحافي مغربي هش، ونحن في بلد مازالت نصوصه الناظمة للمهنة معيبة، ونحن في بلد نفتقد لقواعد لعب مرسومة، بحيث تعتقد اليوم أنك ستدخل مبارة في كرة السلة، فإذا بهم يدخلوك في ملعب كرة قدم، ونحن بلد لا احتكام فيه لمؤسسات واضحة تتخد القرارات بالنسبة لقطاع حيوي بشكل سليم،، فهناك وزارة للإتصال، ولكنها مغلوبة على أمرها، وهناك الديوان الملكي، وفيه تيارات، وهناك لجنة خماسية تفكر وتقرر، وهناك الحكومة "الحقيقية"، وهناك القضاء التابع لوزير العدل..وهذا التداخل والتشابك لا يجعل للدولة سياسة واحدة في مجال الحريات العامة وضمنها حرية التعبير، فهناك شعار عام معلن وهو الإنفتاح، إلا أن تطبيقه يخضع للكثير من التموجات والكثير من الأخطاء القاتلة أحيانا في قطاع لا يريد بالضرورة أن يكون فوق القانون، ولكن طبيعته تجعله في الواجهة والخطأ إزاءه أكثر بروزا من الخطأ في غيره
أما نحن في قبيلة الصحافيين فلسنا كاملين، هناك فينا المجتهد بحسن نية وقد يصيب وقد يخطئ، وهناك الطفيلي وهناك المزايد وهناك المدفوع وهناك النزيه وهناك الجيد وهناك المتسخ وهناك الردئ..وهذا حال جميع القطاعات، خصوصا في مرحلة انتقال حساس يعيشها بلد برمته
إن قضية الزميلين عبد الرحيم أريري وحرمة الله مصطفى لا يجب أن نستعملها لنتوهم أننا بها سنحل مشكلة الصحافة في المغرب، بل بالعكس، إننا اليوم نزيد هذه القضية تعقيدا، ولنكن واضحين: إذا تعلق الأمر بنشر وثيقة سرية تهم إدارة من إدارات الدفاع الوطني وحيازة وثائق أخرى لم تنشر عند الصحافيين، فإن هذا يدخل في إطار العمل الصحافي الصرف ويجب أن يعالج في هذا الإطار، وهو ما لم يتم مع هذا الإعتقال القاسي والتحقيقات الماراطونية. أما اذا كان الأمر يتعلق بتآمر أريري وحرمة الله مع مخابرات أجنبية ضد وطنهما مثلا - مع أن صحيفتهما تسمى "الوطن الآن"- ، فهذا موضوع خيالي حسمت فيه النيابة العامة بالاستبعاد
وما دمنا لحد الآن في دائرة العمل المهني، بل مادامت بداية هذه القضية كانت تتعلق بعمل مهني، فأن ما جرى فيها يعتبر مسا بحرية الصحافة وتهديدا مبطنا لباقي الصحف، وخصوصا الجدية والمهنية منها
فلنه قضية عبد الرحيم أريري ومصطفي حرمة الله، ولنطوي هذه الصفحة، فللمغرب ما يكفي من القضايا الاهم لينشغل بها في صيفه القائط عله يجد ثمارها قد نضجت في ربيع واعد، بدل أن يكون القدر المحتوم هو الإستعداد لخريف حزين
الصحافة المغربية تنمو بالألم والامل، وجيل جديد من الصحافيين اختاروا هذه المهنة التي هي مهنة المتاعب والمخاطر، وهم ليسوا أحسن من المغرب ولا أسوأ منه، إنه جزء من بلد رسم لشعبه آمال واسعة في أن يعوض كل مآسي خمسة عقود بما فيها مآسي الحريات، والصحافة توجد في الواجهة
صحيحي لسنا ملائكة ولكننا لسنا شياطين أيضا
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire