أصبحت يد السلطة أكثر خفة ورشاقة وهي تمتد إلى الصحافة لتمنع هذه الجريدة وتعتقل هذا الصحافي وتتهم ذاك، في أقل من شهرين اعتقلت النيابة العامة أربعة صحافيين «مصطفى العلوي، عبد الرحيم أريري، مصطفى حرمة الله، وأخيرا وليس آخرا رضا بن شمسي..». في كل بلاد الدنيا تضرب السلطة ألف حساب قبل أن تسمح للفيل بدخول محلات بيع أواني الطين لأنها تعرف أن إغلاق صحيفة مكلف سياسيا وإعلاميا. باستثناء الحاكمين الجدد في بلاد المغرب السعيد الذين تعودوا في فترة قياسية على إغلاق الصحف «لوجورنال، الصحيفة، دومان، نيشان...».لا أدافع عن الصحافيين من منطلق قبلي، وإن كانت أخلاق المهنة تفرض على مجتمع الصحافيين أن يتضامنوا في المحن خارج كل حسابات ضيقة. المشكل في بلادنا يحتاج إلى حل لتنظيم علاقة السلطة بالصحافة. نعم، الصحافيون ليسوا فوق القانون وليسوا ملائكة معصومين من الخطأ، كما أن السلطة - بكل مستوياتها- ليست مجموعة من الرهبان الزاهدين في الدنيا والمكرسين حياتهم للخير، إنهم بشر يصيبون ويخطئون، وفي سعيهم نحو السلطة والثروة، معرضون للقفز فوق حواجز القانون.وظيفة الصحافة في البلدان المتقدمة هي المساهمة في كشف حقيقة السلطة وإماطة اللثام عن الوجه المنقب للسياسيين، ليظهر عاريا كما هو لا كما يريدون للناس أن يروه. طبعا، هذه المهمة يجب أن تكون في إطار القانون وفي إطار أخلاق مهنة المتاعب.دائما هناك خلاف حول تأويل القانون بين صحافي يسعى إلى كشف كل المعلومات وسياسي يجهد نفسه في إخفاء ما لا يخدم مصلحته من هذه المعلومات. والحل هو رأي الناس وضمير العدالة عندما يقع الاصطدام. المشكلة في المغرب أن العدالة بالشكل الذي توجد عليه اليوم غير مؤهلة «الله غالب» لتفصل بين صحافي عار من كل سلطة سوى سلطة القلم، ومن كل قوة عدا ما يتمتع به من مصداقية لدى الناس، ورجال سلطة يملكون النفوذ على أجهزة الأمن والمخابرات والسجن وحتى القاضي الجالس فوق منصة النطق بالحكم..هذا هو الجانب الأخطر في الموضوع، أما الجانب الثاني- وهو المتعلق بمناقشة خطب الملك وممارساته- فقد كنت من المتفائلين ببند من مشروع قانون الصحافة الذي مازال لم يعرض على البرلمان، يستبدل عبارة المس بالملك بعبارة أكثر دقة وهي «الإساءة إلى الملك»، وبهذا يسمح لنا كصحافيين أن نعلق ونناقش الملك باعتباره أسمى وأهم سلطة في البلاد- باحترام – دون الخوف من دخول السجن، لكن يبدو أن هذا التفاؤل كان في غير محله، فمازالت مراكز للقوى المحافظة داخل السلطة تخاف ليس على الملك ولكن على نفسها من حرية الصحافة في تتبع ونقد سلوكياتها في بلاد لم تدخل بعد إلى نادي الدول الديمقراطية.في بداية عهد الملك محمد السادس وجه نقدا شديدا إلى الأحزاب في افتتاح البرلمان سنة 2004 وطالبها بمراجعة برامجها وإحلال الديمقراطية في مؤسساتها، ولم يتأخر رد الأحزاب، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي الذي طلعت افتتاحية جريدته يوما بعد الخطاب تطالب الملك بتعديل الدستور، لتقول له: هذه بتلك، وقبل الملك هذا الرد، واعتبرنا آنذاك أن محمد السادس فهم أن الحكم هو صراع بين الأطراف وأن الذي يقبل أن يمارس سلطة بلا ضفاف يقبل أن يتلقى النقد ولو داخل جدران مضبوطة. ويوم عين الملك إدريس جطو وزيرا أول بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2002، أصدر المكتب السياسي للاتحاد بلاغا صاغه محمد الأشعري ينتقد فيه تصرف الملك هذا وأطلق على ذلك اسم «الابتعاد عن المنهجية الديمقراطية». اليوم، الملك يتوعد كل مشكك في جدوى الانتخابات والأحزاب الوطنية... لماذا؟ لأن محيط الملك يخشى من تطور الممارسة الديمقراطية لأنها ستضع وزيري الداخلية والخارجية والأوقاف والأمانة العامة للحكومة ومئات الشخصيات العمومية في مأزق كونهم يحكمون بلا شرعية لصناديق الاقتراع، وبكونهم لا ينتمون للأحزاب، وبأن بعض الخبرة التي في أيديهم غير كافية للتحكم في القرارات الاستراتيجية. هذا الفريق الضخم هو الذي يبعث على التشكيك في الانتخابات والحكومة والبرلمان والأحزاب... التي ندافع عن حقها اليوم في أن تكون أحزابا حقيقية وهي تحاربنا لأنها تفضل «الخدمة» على «المشاركة» وأقصى طموحها أن تختبئ خلف كرسي العرش عوض أن تشارك العرش في الحكم... يا للمفارقة...إذا كان الأمر يتعلق بتجريم مناقشة خطب الملك، قولوها لنا صراحة، وسنعود إلى الأسلوب القديم الذي كان متبعا أيام الحسن الثاني، كانت الأحزاب تنتقد إدريس البصري عوض الحسن الثاني وكان هو يفهم لغة الإشارات، وهي تتقن فن «الحديث بأسلوب إياك أعني يا جارة». وإذا كان أسلوب أحمد بن شمسي مستفزا في بعض فقراته فلا بأس، فمن الخطأ يتعلم الإنسان الصواب، وجل من لا يخطئ، وإذا كان الأمر يتعلق بمجمل الصحافة المستقلة، فاستصدروا ظهيرا شريفا يمنع المغاربة من ممارسة صحافة مهنية بمواصفات عالمية، وإذاك لا يعذر أحد بجهله للقانون ... توفيق بوعشرين
jeudi 9 août 2007
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire