تزامن اعتقال الصديق العزيز عبد الرحيم أريري، فيما يشبه الصدفة الماكرة، مع انطلاق العديد من المهرجانات الموسيقية في عدة مدن مغربية؛ وكأن حكومتنا الموقرة ( والتي لا يمكنها أن تكون إلا موقرة بطبيعة الحال) أبت في هذا «الوقت بدل الضائع» الذي يفصلها عن الانتخابات المقبلة إلا أن توجه إلينا رسالة مفادها «باراكا من الصحافة» وهلموا بنا جميعا إلى إلى الموسيقى.وفعلا، فحكومتنا المحبوبة جدا لا تنطق عن هوى، وهي لديها، دون شك، أسبابها الحكيمة التي دعتها إلى بعث هذه الرسالة «من تحت الماء». لا يتعلق الأمر، وهذا مؤكد تماما، بضيق ذرعها بالصحافة المستقلة التي، ينبغي الاعتراف بأنها، صارت مزعجة إلى حد بعيد، وإنما هو يؤشر – من بين ما يؤشر إليه – إلى أن الصحف عندنا صارت كثيرة جدا، أكثر من الهم على القلب، كما أن أخبارها وتحاليلها صارت – والعياذ بالله- تبعث القلق وتطرد الطمأنينة من صدور المسؤولين، بل إن هناك من يقول إنها صارت السبب الرئيسي في ارتفاع نسبة أمراض السكري والضغط ببلادنا، لدرجة أن الأطباء المختصين في هذين المرضين صاروا ينصحون مرضاهم بشيئين: تجنب مشاهدة قناة «الجزيرة» القطرية، والابتعاد عن قراءة الجرائد والصحف المغربية. ولكي نعطي كل ذي حق حقه، ينبغي الاعتراف بأن حكومتنا العزيزة (التي تعودنا عليها وصرنا نحبها حبا جما، ولسنا ندري ماذا سنصنع بأنفسنا بعد ذهابها عنا في شهر سبتمبر المقبل) كانت قد انتبهت (بخلاف كل الحكومات السابقة) إلى هذا الدور السلبي للصحافة المغربية من زمان، واتخذت بشأنه ما يتعين اتخاذه من قرارات، يدعمها في ذلك وجود «صحافيين» سابقين، و«قافزين»، داخلها على رأسهم وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، شخصيا.إن الموقف الحكومي من الصحافة (تحت قيادة وزير الاتصال) واضح جدا لا لبس فيه، وهو أن الصحافة لم تعد تصلح لشيء في عالمنا المتطور المتقدم المعولم المنفتح على ما لا يعلمه إلا الله؛ وبالتالي فإننا لن نخسر شيئا إذا اختفت كل الجرائد التي تملأ الأكشاك (وخاصة منها تلك التي تقول عن نفسها إنها مستقلة)، حيث يمكننا، بسرعة وسهولة، تعويض الفراغ الذي ستتركه وراءها عن طريق نشرات أخبار التلفزيون وبواسطة ضخّ المزيد من «متطلبات العصر الضرورية» ونعني بها المهرجانات الموسيقية الراقصة، وطبعات «استوديو دوزيم» المبهجة، حيث تبين اليوم بالملموس أن الطموح الحالي للمواطنين الكوكبيين (ومنهم مواطنونا بطبيعة الحال) لم يعد يتمثل في الثقافة والمعرفة وإنما تحوّل باتجاه الغناء والرقص، لأن هذين هما السبيل الوحيد لتحقيق التنمية الفكرية العولمية (نسبة إلى «العوالم» لا إلى العولمة)، وللدخول بنا إلى العصر الذي صار يعرّف الإنسان بأنه «حيوان راقص»،والله أعلم.عاشت المهرجانات الموسيقية إذن، ولتسقط الصحافة، كل الصحافة. مصطفى المسناوي
samedi 28 juillet 2007
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire